فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما رأَيْناك اسْتَسْقَيْتَ! فقال: لقد طلَبْتُ المطرَ بمَجاديحِ (١) السماء التى يُسْتَنْزَلُ بها المطرُ. ثم قرَأ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١)﴾. وقرأ الآية التي في سورةِ "هودٍ"، حتى بلَغ: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ (٢)[هود: ٥٢].
وقولُه: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾. يقولُ: ويُعْطِكم مع ذلك ربُّكم أموالًا وبنينَ، فيُكَثِّرُها عندَكم، ويَزِيدُ فيما عندَكم منها، ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾، يقولُ: ويَرْزُقْكم بساتينَ، ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ تَسقُون منها جناتِكم ومزارعَكم.
وقال ذلك لهم نوحٌ لأنهم كانوا -فيما ذُكر- قومًا يُحِبون الأموالَ والأولادَ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ إلى قولِه: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾. قال: رأى نوحٌ قومًا تجزَّعَت أعناقُهم حرصًا على الدنيا، فقال: هلُمُّوا إلى طاعةِ اللهِ، فإنَّ فيها دَرْكَ الدنيا والآخرةِ (٣).
وقولُه: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾. اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: ما لكم لا تَرَوْنَ للهِ عظمةً؟!
(١) المجاديح: جمع المِجْدَح، وهو عود مُجَنَّح الرأس تمزج بها الأشربة، وربما يكون له ثلاث شعب. والمجدح: نجم من النجوم. . . وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر، فجعل الاستغفار مشبهًا بالأنواء، مخاطبة لهم بما يعرفونه، لا قولا بالأنواء. ينظر النهاية ١/ ٢٤٣. (٢) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٤٩٠٢)، وابن أبي شيبة ٢/ ٤٧٤، والطبراني في الدعاء (٩٦٤)، والبيهقى ٣/ ٣٥٢ من طريق سفيان به. (٣) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٦/ ٢٦٨ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.