والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قرأَةِ الأمصار، متقاربتا المعنى؛ لأن المُنَشَّأ من الإنشاء ناشيءٌ، والناشئُ مُنْشَأٌ، فبأيَّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. وقد ذكر أن ذلك في قراءةِ عبدِ اللَّهِ:(أَوْ مَنْ لا يُنَشَّأُ إِلَّا فِي الْحِلْيَةِ)(٢).
وفى ﴿مَنْ﴾ وجوه من الإعراب؛ الرفعُ على الاستئناف به، والنصبُ على إضمار "يجعلون"؛ كأنه قيل: أو مَن يُنشَّأُ في الحليةِ يُجعلون بناتِ اللَّهِ؟ وقد يجوزُ النصبُ فيه أيضًا على الردّ على قوله: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾. فيُردُّ ﴿مَنْ﴾ على البنات، والخفضُ على الردِّ على "ما" التي في قوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾.
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عبادُ الرحمن.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك؛ فقرأته عامةُ قرأةِ المدينة:(الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ)(٤) بالنون، وكأنهم تأوَّلوا في ذلك قول الله جلَّ ثناؤه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦]. فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده ويسبِّحونه ويقدِّسونه إناثًا، فقالوا: هم بناتُ اللهِ. جهلًا
(١) هي قراءة حمزة والكسائى وحفص عن عاصم. المصدر السابق. (٢) ينظر مختصر الشواذ ص ١٣٥. (٣) في الأصل: "أأشهدوا". وهي قراءة كما سيأتي. (٤) هي قراءة نافع وابن عامر وابن كثير. ينظر الحجة ص ٦٤٧.