في قوله: ولا يملك الذين تدعو قريش وسائر العرب مِن دونِ اللَّهِ الشفاعة عندَ اللَّهِ. ثم استثنى جلّ ثناؤه بقوله: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾: وهم الذين يشهدون شهادة الحقِّ، فيوحدون الله، ويُخلصون له الوحدانية، على علمٍ منهم ويقينٍ بذلك أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها، كما قال جل ثناؤه: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨]. فأَثْبت تعالى ذكره للملائكة وعيسى وعُزيرٍ (١) ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان، باستثنائه الذي استثناه.
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولُن: خلقنا الله. ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ يقولُ: فَأَيَّ وجهٍ يُصْرَفون عن عبادة الذي خلقهم، ويُحرمون (٢) إصابة الحقِّ في عبادتِه.
وقوله: ﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. اختلفتِ القرأة في قراءة قوله: ﴿وَقِيلِهِ﴾؛ فقرأته عامه قرأَةِ المدينة ومكة والبصرة:(وَقيله) بالنصب (٣). وإذا قُرى ذلك كذلك، كان له وجهان في (٤) التأويل؛ أحدهما: العطف على قوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٨٠]، ونسمعُ قيلَه: يا ربِّ؟ والثانى: أن يُضْمَر له ناصبٌ، فيكون معناه حينئذ: وقال قوله: يا ربِّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون. وشكا محمد شكواه إلى ربِّه. وقرأته عامةُ
(١) بعده في الأصل: "من". (٢) في الأصل: "يحربون". (٣) هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر والكسائي. حجة القراءات ص ٦٥٥. (٤) في الأصل: "مع".