سَبقتْ لهم مِن اللهِ السعادةُ قبلَ مسارَعتِهم فى الخيراتِ، ولما سبَق لهم من ذلك سارَعوا فيها.
وإنما قلتُ: ذلك أولى التأويلينِ بالكلامِ؛ لأن ذلك أظهرُ مَعْنَيَيْهِ، وأنه لا حاجة بنا إذا وجهنا تأويل الكلام إلى ذلك، إلى تحويل معنى اللامِ (١) التي في قولِه: ﴿وَهُمْ لَهَا﴾. إلى غيرِ معناها الأغلبِ عليها.
يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا﴾ [مِمَّن خَلقنا، ﴿إِلَّا وُسْعَهَا﴾. يقولُ](٢): إلا ما يَسَعُها ويَصلُحُ لها من العبادةِ، ولذلك كلَّفناها ما كلَّفْناها من معرفةِ وحدانيةِ اللهِ، وشَرَعْنا لها ما شَرَعْنا من الشرائعِ، ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾. يقولُ: وعندَنا كتابُ أعمالِ الخلقِ، بما عمِلُوا من خيرٍ وشَرٍّ، ﴿يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. يقولُ: يُبينُ بالصدقِ عمَّا عمِلوا من عملٍ في الدنيا، لا زيادةَ عليه ولا نقصانَ، ونحن موفُّو جميعِهم أجورَهم؛ المحسنِ منهم بإحسانِه، والمسيءِ بإساءتِه، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. يقولُ: وهم لا يُظلمون، بأن يُزادَ على سيئاتِ المسيءِ منهم ما لم يَعملْه، فيعاقَب على غير جُرْمِه، أو يُنقَصَ المحسنُ عما عمِل من إحسانِه، فيُنقصَ عما له من الثوابِ.