وهذا القولُ عندَنا هو أولَى بالصَّوَابِ؛ لأن زيادةَ ما لا يُفِيدُ مِن الكلامِ معنًى في الكلامِ غيرُ جائزةٍ (١) إضافتُه إلي اللهِ جل ثناؤه.
ولعل قائلًا أن يقولَ: هل كان للذينَ أخبَرَ اللهُ عنهم أنهم قليلًا ما يؤمنون، مِن الإيمانِ قليلٌ أو كثيرٌ، فيقالَ فيهم: ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾؟.
قيل: إن معنى الإيمانِ هو التصديقُ، وقد كانت اليهودُ التى أخبَرَ اللهُ عنها هذا الخبرَ تُصَدِّقُ بوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وبالبعثِ والثوابِ والعقابِ، وتَكْفُرُ بمحمدٍ ﷺ وبنُبُوَّتِه، وكلُّ ذلك كان فرضًا عليهم الإيمانُ به؛ لأنه في كُتُبِهم وممَّا جاءهم به موسى، فصدَّقوا ببعضٍ، [وذلك هو](٢) القليلُ مِن إيمانِهم، وكذَّبوا ببعضٍ، وذلك هو الكثيرُ الذى أخبَرَ اللهُ عنهم أنهم يَكْفُرون به.
وقد قال بعضُهم: إنهم كانوا غيرَ مؤمنين بشيءٍ، وإنما قيل: ﴿فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾. وهم بالجميعِ كافرون، كما تقولُ العربُ: قلَّما رأيتُ مثلَ هذا قطُّ. [تُريدُ: ما رأيتُ مثلَ هذا قَطُّ](٣). ورُوِى عنها سماعًا منها: مرَرْتُ ببلدٍ (٤) قلَّما يُنْبِتُ إلَّا الكُرَّاثَ والبصلَ. يعنى: ما يُنْبِتُ [شيئًا إلا](٥) الكُرَّاثَ والبصلَ. وما أشبهَ ذلك مِن الكلامِ الذى يُنْطَقُ به بوصْفِ الشئِ بالقلَّةِ، والمعنى فيه نفيُ جميعِه.