قال أبو جعفر: وقد بيَّنا الدَّلالةَ على صحةِ ما قلنا في ذلك فيما مضى. وذلك في تأويلِ قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧](١).
القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾.
قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ ﵀: أما الهَدْى، فهو ما أهداه [المرءُ من بعيرٍ](٢) أو بقرةٍ أو شاةٍ أو غيرِ ذلك إلى بيتِ اللهِ؛ تقرُّبا به إلى اللهِ جل ثناؤه وطلبَ ثوابِه.
يقولُ اللهُ ﷿: فلا تستحلُّوا ذلك فتَغصِبوه (٣) أهلَه عليه، ولا تَحُولوا بينَهم وبينَ ما أَهْدَوا من ذلك أن [يُبَلِّغوه مَحِلَّه من الحَرَمِ، ولكن خلُّوهم وإياه حتى](٤) يَبْلُغوا به المَحِلَّ الذي جعَله اللهُ مَحِلَّه من كعبتِه.
وقد رُوى عن ابن عباسٍ أن الهَدْيَ إنما يكونُ هديًا ما لم يقلَّدْ.
حدَّثني بذلك محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَلَا الْهَدْيَ﴾. قال: الهَدْىُ ما لم يقلَّدْ، وقد جعَل (٥) على نفسِه أن يُهْديَه ويقلِّدَه (٦).
وأما قولُه: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾. فإنه يعنى: ولا تُحِلُّوا أيضًا القلائدَ.
ثم اخْتَلف أهلُ التأويلِ في "القلائدِ" التي نهَى اللهُ جل ثناؤه عن إحلالِها؛ فقال بعضُهم: عنَى بالقلائِد قلائدَ الهدى. وقالوا: إنما أراد اللهُ بقولِه: ﴿وَلَا الْهَدْيَ
(١) ينظر ما تقدم في ٣/ ٦٤٨ وما بعدها. (٢) في الأصل: "المؤمن بعيرا". (٣) في م: "فتغضبوا". (٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س. (٥) في الأصل: "جعله". (٦) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٥٤ إلى المصنف وابن أبي حاتم.