جَعَل الخَلْقَ نَصْبًا، بمعنى التفسيرِ، كأنه قال: الذي أحسَن كلَّ شيءٍ خَلْقًا منه. وقد كان بعضُهم يقولُ: هو من المُقَدَّمِ الذي معناه التأخيرُ. ويُوجِّهه إلى أنه نظيرُ قولِ الشاعرِ (١):
وَظَعْنى إليك الليل حِضْنَيه إنَّني … لتلك إذا هابَ الهدانُ فَعُولُ
وقولُه: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وبدأ خلقَ آدمَ مِن طينٍ، ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾. يعني: ذرِّيتَه مِن سُلالةٍ. يقولُ: من الماءِ الذي انسَلَّ فخرج منه. وإنما يعنى: مِن إراقةٍ من مائه؛ كما قال الشاعرُ (٤):
فجاءتْ به عَضْبَ الأَدِيمِ غَضَنْفَرًا … سُلالَةَ فَرْجٍ كان غيرَ حَصِينِ
وبنحوِ الذي قلْنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ
(١) البيت لحميد بن ثور، وهو في ديوانه ص ١١٦. (٢) البيت للراعى النميرى، وهو في ديوانه ص ٤٢. (٣) في ص، ت ١، ت ٢: "أرحال". والأدحال: جمع دَحْل، وهو نقب ضيق فمُه، ثم يتسع أسفله حتى يمشى فيه، والدباب: رمل بالخلصاء يقال له: دباب. اللسان (د ح ل، د ب ب. د ب ب). (٤) البيت لحسان بن ثابت، وهو في ديوانه ص ٣٩٦.