وقوله: ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾. يقولُ تعالى ذكرهُ: وإن يأتِ المؤمنين الأحزابُ وهم الجماعةُ: واحدُهم حِزْبٌ. ﴿يَوَدُّوا﴾. يقولُ: يَتَمَنَّوا مِن الخوفِ والجُبْنِ أنهم غُيَّبٌ عنكم في الباديةِ مع الأعرابِ؛ خوفًا مِن القتلِ، وذلك قولُه: ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾. تقولُ: قد بَدا فلانٌ. إذا صار في البدوِ، فهو يَبْدُو، وهو بادٍ. وأما الأعرابُ: فإنهم جمعُ أعرابيٍّ (٢)، وواحدُ العربِ عربيٌّ، وإنما قيل: أَعرابيٌّ. لأهلِ البدوِ؛ فَرْقًا بينَ أهل البَوادى والأمصارِ، فجعَل الأعرابَ لأهل الباديةِ، والعربَ لأهلِ المِصْرِ.
وقولُه: ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾. يقولُ: يَسْتَخْبِرُ هؤلاء المُنافقون، أيُّها المؤمنون، الناسَ عن أنْبائِكم. يعنى: عن أخبارِكم بالباديةِ: [هل هلَك محمدٌ وأصحابُه؟ يقولُ: يَتَمَنَّون أن يسمَعوا أخبارَكم](٣) بِهَلاكِكم، أن لا يشهدوا معكم مَشاهِدَكم، ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ [مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه للمؤمنين: ولو](٣) كانوا أيضًا فَيكُم ما نفَعوكم، و ﴿مَا قَاتَلُوا﴾ المشركين ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾، يقول: إلا تَعْذيرًا؛ لأنهم لا يُقاتِلونهم حِسْبَةً (٤)، ولا رجاءَ ثوابٍ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قالُ أهلُ التأويلِ.
ذِكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني
(١) القراءة شاذة لمخالفتها رسم المصحف. (٢) في ص، ت ١: "عرب"، ت ٢: "العرب". (٣) سقط من: ت ١. (٤) في ت ٢: "خشية".