يُريدُ جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾: وجمعَ بينَ قلوبِ المؤمنين مِن الأوسِ والخزرجِ، بعدَ التفرقِ والتَّشَتُّتِ، على دينِه الحقِّ، فصيَّرهم به جميعًا بعدَ أن كانوا أشْتاتًا، وإخْوانًا بعدَ أن كانوا أعداءً.
وقوله: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: لو أنْفَقْتَ يا محمدُ ما في الأرضِ جميعًا من ذهبٍ ووَرِقٍ وعَرَضِ، ما جَمعْتَ أنت بينَ قلوبِهم بحِيَلِك، ولكنَّ اللَّهَ جَمعها على الهدى، فائْتَلَفَت (٣) واجْتَمَعَت؛ تقوية مِن اللَّهِ لك وتأييدًا منه، ومعونةً على عدوِّك، يقولُ جلَّ ثناؤُه: والذي فعَل ذلك وسبَّبه لك، حتى (٤) صاروا لك أعوانًا وأنصارًا ويدًا واحدةً على مَن بَغاك سُوءًا هو الذي إن رام عدوٌّ منك مرامًا يَكْفِيك كيدَه، ويَنْصُرُك عليه، فثِقْ به، وامْضِ لأمرِه، وتوَكَّلْ عليه.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(١) سيرة ابن هشام ١/ ٦٧٥، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٧٢٦ من طريق سلمة به. (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٧٢٦ من طريق أحمد بن المفضل به. (٣) في ص، ف: "فانقلبت". (٤) في ت ٢: "حين".