رَبِّنَا﴾. يعني: مِن عندِ ربِّنا نزَل، إنا كنا مِن قبل نزول هذا القرآنِ مسلمين. وذلك أنهم كانوا مؤمنين بما جاءتْ به الأنبياءُ قبلَ مجيءِ نبيِّنا محمدٍ ﷺ من الكتبِ، وفى كتبِهم صفةُ محمدٍ ونعتُه، فكانوا به وبمبعثِه وبكتابِه مصدِّقين قبلَ نزول القرآنِ، فلذلك قالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾.
يقولُ تعالى ذكرُه: هؤلاء الذين وَصَفتُ صِفَتَهم، يُؤْتَوْن ثوابَ عملِهم مرتَيْن بما صَبَروا.
واختلَف أهلُ التأويلِ في معنى "الصبرِ" الذي وعد اللهُ [عليه ما وعَد](١)؛ فقال بعضُهم: وعَدَهم ما وعَد جلَّ ثناؤُه بصبرِهم على الكتابِ الأوَّلِ، واتِّباعِهم محمدًا ﷺ، وصبرِهم على ذلك. وذلك قولُ قتادةَ، وقد ذكرْناه قَبْلُ.
وقال آخرون: بل وعَدهم بصبرِهم بإيمانهم بمحمد ﷺ قَبْلَ أَن يُبْعَثَ، وباتِّباعهم إياه حينَ بُعِث. وذلك قولُ الضَّحَّاكِ بن مُزاحمٍ، وقد ذكرْناه أيضًا قبلُ، ومِمَّن وافق قتادةَ على قولِه عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ.
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زِيدٍ في قولِه: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾: على دينِ عيسى، فلمَّا جاء النبيُّ ﷺ أسْلَموا، فكان لهم أجرُهم مرتَيْن؛ بما صبروا أوَّلَ مرةٍ، ودخَلوا مع النبيِّ ﷺ في الإسلامِ (٢).
وقال قومٌ في ذلك بما حدَّثنا به ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبى، عن سفيانَ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: ﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾. قال: إن قومًا كانوا مشركين
(١) في م: "ما وعد عليه". (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٩٢ من طريق أصبغ عن ابن زيد.