بعد مماتِكم، مع علمِكم بما تقولونَ من عظيمِ سلطانِه وقدرتِه.
وكان ابن عباسٍ فيما ذُكِر عنه يقولُ في معنى قولِه: ﴿تُسْحَرُونَ﴾ ما حدَّثني به عليٌّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾. يقولُ: تكذِّبون (١).
وقد بيَّنتُ فيما مضَى "السِّحْرَ"، وأنَّه تخييلُ الشيءِ إلى الناظرِ أنَّه على خلافِ ما هو به من هيئتِه (٢)، فذلك معنى قولِه: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾. إنما معناه: فمن أيِّ وجهٍ يُخَيَّلُ إليكم الكذبُ حقًّا، والفاسدُ صحيحًا، فتُصرَفونَ عن الإقرارِ بالحقِّ الذي يدعوكم إليه رسولُنا محمدٌ ﷺ؟
يقولُ: ما الأمرُ كما يزعُمُ هؤلاء المشركون باللهِ؛ من أَنَّ الملائكةَ بناتُ اللهِ، وأنَّ الآلهة والأصنامَ لهم إلهٌ (٣) دونَ اللهِ، ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ﴾: اليقينِ، وهو الدينُ الذي ابتعثَ اللهُ به نبيَّه ﷺ، وذلك الإسلام، ولا يُعْبَدُ شَيءٌ سوى اللهِ؛ لأنَّه لا إِلَهَ غيرُه، ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾. يقولُ: وإنَّ المشركين لكاذبون فيما يُضيفون إلى اللهِ، ويَنْحُلُونه من الولدِ والشريكِ.
وقولُه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ما للهِ من ولدٍ، ولا كانَ معه في القديمِ، ولا حينَ ابتدَعَ الأشياءَ، [مَنْ تصلُحُ](٤) عبادتُه، ولو كانَ معه
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في الإتقان ٢/ ٣١ - من طريق أبي صالح به. (٢) ينظر ما تقدم في ٢/ ٣٥٠ وما بعدها. (٣) في م، ت ٢، ف: "آلهة". (٤) في ت ٢: "ممن يصلح".