يقولُ تعالى ذكرُه: فَرِحَ الذين خَلَّفَهم اللهُ عن الغزوِ مع رسولِه والمؤمنين به، وجهادِ أعدائِه ﴿بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾. يقولُ: بجلوسِهم في منازلِهم ﴿خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾. يقولُ: على الخلافِ لرسولِ اللهِ في جلوسِه ومَقْعدِه. وذلك أن رسولَ اللهِ ﷺ أمَرهم بالنَّفْرِ إلى جهادِ أعداءِ اللهِ، فخالَفوا أمرَه وجَلَسوا في منازلِهم.
وقولُه: ﴿خِلَافَ﴾: مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: خالَف فلانٌ فلانًا، فهو يُخالِفُه خِلافًا. فلذلك جاء مصدرُه على تقديرِ "فِعالٍ"، كما يقالُ: قاتَلَه فهو يُقاتِلُه قِتالًا. ولو كان مصدرًا مِن خَلَفَه، لكانت القراءةُ: بمقعدِهم خَلْفَ رسولِ اللهِ. لأن مصدرَ خَلَفَه: خَلْفٌ، لا خِلافٌ، ولكنه على ما بَيَّنتُ مِن أنه مصدرُ خَالَف، فقُرِئ ﴿خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾، وهى القراءةُ التي عليها قرأةُ (١) الأمصارِ، وهى الصوابُ عندَنا.
وقد تأوَّل ذلك بعضُهم بمعنى: بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ. واسْتَشهَد على ذلك بقولِ الشاعرِ (٢):
(١) في م: "قراءة". (٢) هو الحارث بن خالد المخزومي، والبيت في مجاز القرآن ١/ ٢٦٤، والأغانى ٣/ ٣٣٦، واللسان (ع ق ب)، (خ ل ف). (٣) في الأغاني، واللسان (ع ق ب): "الرذاذ" وهى الرواية التي سيذكرها المصنف في ١٥/ ٢١. (٤) جمع شاطبة وهي التي تعمل الحُصر من الشطْب، وهو السَّعف الأخضر. اللسان (ش ط ب).