فحُذِفت "أنْ" إذ كان الإبداءُ باللسانِ في المعنى قولًا، فحمَله على معناه دونَ لفظِه.
وقد قال بعصُ أهلِ العربيةِ: إنما حُذفتْ "أن" من قولِه: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ﴾ اكْتِفاءً بالنِّداءِ. يعنى بالنداءِ قولَه: ﴿يَابَنِيَّ﴾ وزعَم أن علَّتَه في ذلك أن مِن شأنِ العربِ الاكتفاءَ بالأدواتِ من (١)"أنْ"، كقولِهم: ناديت هل قمتَ؟ وناديتُ أين زيدٌ؟. قال: وربَّما أدْخَلوها مع الأدواتِ فقالوا: ناديتُ أن هل قمتَ؟.
وقد قرَأ جماعةٌ مِن القَرَأَةِ:(وأوصَى بها إبراهيمُ)(٢). بمعنى: عهِد.
وأمّا مَن قرَأ: ﴿وَوَصَّى﴾ مشدَّدةً، فإنه يعنى بذلك أنه عهِد إليهم عهدًا بعد عهدٍ، وأوصَى وصيةً بعد وصيةٍ.
يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾: إن اللهَ اختار لكم هذا الدِّينَ الذى [عَهِدنا فيه إليكم](٣)، واجتباه لكم. وإنما أدخَل الألفَ واللامَ في ﴿الدِّينَ﴾؛ لأنَّ الذين خُوطبوا مِن ولدِهما وبَنِيهما بذلك كانوا قد عرَفوه بتوصيتِهما إيَّاهم به، وعهدِهما إليهم فيه، ثم قالا لهم بعد أن عرّفاهموه: إنَّ اللهَ اصطفَى لكم هذا الدينَ الذى قد عهِدنا إليكم فيه، فاتَّقوا (٤) أن تموتوا إلَّا وأنتم عليه.
إن قال لنا قائلٌ: أوَ إلى بنى آدمَ الموتُ والحياةُ فيُنْهَى أحدُهم أن يموتَ إلّا على حالةٍ دونَ حالةٍ؟
(١) في م، ت ١: "عن". (٢) وهى قراءة نافع وابن عامر، والباقون بدون همز وتشديد الصاد. السبعة لابن مجاهد ص ١٧١. (٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "عهد إليكم فيه". (٤) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الله".