القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)﴾.
يعني بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾: ما كانوا رُشداءَ في اختيارِهم الضلالةَ على الهدى، واستبدالِهم الكفرَ بالإيمانِ، واشترائِهم النفاقَ بالتصديقِ والإقرارِ.
قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾. وقد علمتَ أن الهاءَ والميمَ من قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ﴾ كنايةُ جماعٍ (٣) من الرجالِ، أو الرجالِ والنساءِ، و ﴿الَّذِي﴾ دلالةٌ على واحدٍ من الذكور، فكيف جعَل الخبرَ عن الواحدِ مثلًا لجماعةٍ؟ وهلَّا قيل: مثلُهم كمثلِ الذين اسْتَوقدوا نارًا؟ وإن جاز عندَك أن تُمثَّلَ الجماعةُ بالواحدِ، فتُجيزَ لقائلٍ رأَى جماعةً من الرجالِ فأعْجَبتْه صُوَرُهم وتمامُ خلقِهم وأجسامِهم أن يقولَ: كَأن هؤلاء، أو كأن أجسامَ
(١) ديوانه ٢/ ٨٧٧. (٢) في ص: "النهار". والنبهاني: هو الأعور النبهاني، نزل بجرير فأهدى إليه جرير، ولكن الأعور أساء الأدب وأخذ يتفف على ما أهدى إليه، فتهاجيا، فكان ذلك مما أجابه به جرير. (٣) في م: "جماعة".