بعدَ التعريفِ، ثم يَنْصَرِفُ عنه إلى مِنًى، ثم يعودُ إليه لِطوافِ الصَّدَرِ (١)، فلِتَكْرَارِه العَوْدَ إليه مرَّةً بعدَ أُخرى قيل له: حاجٌّ. وأما المعتمرُ فإنما قيلَ له: مُعْتَمِرٌ. لأنه إذا طاف به انْصَرَف عنه بعدَ زيارتِه إيّاه، وأما قولُه: ﴿أَوِ اعْتَمَرَ﴾ فإنه يعني: أو اعتمَرَ البيتَ، ويعني بالاعتمارِ الزيارَةَ، فكلُّ قاصدٍ لشيْءٍ فهو له مُعتمِرٌ، ومنه قولُ العَجَّاجِ (٢):
يعني تعالى ذِكرُه بقولِه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾. يقولُ: فلا حَرَجَ عليه ولا مأْثَمَ في طوافِه بهما.
فإن قال قائلٌ: وما وجهُ هذا الكلامِ، وقد قلْتَ لنا: إنّ قولَه: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾ وإنْ كان ظاهرُه ظاهرَ الخبرِ، فإنَّه في معنى الأمْرِ بالطوافِ بهما (٤)؟ فكيف يكونُ أمْرًا بالطوافِ، ثم يقالُ: لا جُناحَ على مَن حَجَّ البيتَ أو اعْتَمر في الطوافِ بهما. وإنما يُوضعُ الجُناحُ عمن أتَى ما عليه بإتيانِه الجُناحَ والحَرَجَ،
(١) طواف الصدَر: هو طواف الوداع. وسمى بذلك؛ لأن الناس يصدرون عن مكة بهذا الطواف إلى أماكنهم بعد قضاء نسكهم. ينظر تاج العروس (ص د ر). (٢) ديوانه ص ٥٠. (٣) قال الأصمعي: إذا وثب الفرس فوقع مجموعة يداه، فذلك الضَّبْرُ. التاج (ض ب ر). (٤) في الأصل: (بينهما).