ليس مِن أفعالِ الأنبياءِ خيانةُ أممِهم. يقالُ منه: غلَّ الرجلُ، فهو يَغُلُّ، إذا خان، غُلُولًا. ويُقالُ أيضًا منه: أَغَلَّ الرجلُ، فهو يُغِلُّ إغلالًا، كما قال شُرَيْحٌ: ليس على المُسْتَعِيرِ غيرِ المُغِلِّ ضَمانٌ (١). يعنى غيرَ الخائنِ. ويقالُ منه: أَغلَّ الجازرُ. إذا سرَق من اللحمِ شيئًا مع الجلدِ (٢).
وبما قلْنا في ذلك جاء تأويلُ أهلِ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾. يقولُ: ما كان يَنْبَغِي له أن يَخونَ، فكما لا يَنْبَغى له أن يَخونَ فلا تَخونوا.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مُجاهِدٍ في قولِه: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾. قال: أَن يَخونَ (٣).
وقرأ ذلك آخَرون:(وما كان لنبيٍّ أن يَغَلَّ). بضمِّ الياءِ وفتحِ الغينِ، وهى قراءةُ عُظْمِ قرأةِ أهلِ المدينةِ والكوفةِ (٤).
واخْتَلَف قارئو ذلك كذلك في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معناه: ما كان لنبيٍّ أن يَغُلَّه أصحابُه. ثم أُسْقِط الأصحابُ، فبَقِى الفعلُ غيرَ مُسَمًّى فاعلُه. وتأويلُه: وما
(١) أخرجه عبد الرزاق (١٤٧٨٢، ١٤٧٨٣) ووكيع في أخبار القضاة ٢/ ٣٣١، والدارقطني ٣/ ٤١، والبيهقى ٦/ ٩١. (٢) وذلك إذا سلخ فترك من اللحم ملتزقا بالإهاب. اللسان (غ ل ل). (٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٠٣ (٤٤٣٠) من طريق ابن أبي نجيح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٩١ إلى عبد بن حميد. (٤) قرأ بها نافع وابن عامر وحمزة والكسائي. وينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢١٨.