انْتَهُوا في جميعِهم إلى حَدِّي، واعْمَلُوا فيه بأمْرِى.
وأما قوله: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾. فإنه يقولُ: ولا يَحْمِلَنَّكُم عَداوة قومٍ على ألا تَعْدِلُوا في حُكْمِكم فيهم، وسِيرتِكم بينَهم، فتَجُورُوا عليهم مِن أجلِ ما بينَكم وبينَهم مِن العَداوة.
وقد ذكَرْنا الرواية عن أهلِ التأويلِ في معنى قولِه: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥]. وفى قولِه: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢]. واختلافَ المختلفين في قراءةِ ذلك، والذي هو أولى بالصوابِ مِن القولِ فيه والقراءةِ بالأدلةِ الدالة على صحتِه بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).
وقد قيل: إن هذه الآيةَ نزَلَت على رسولِ اللهِ ﷺ حين همَّت اليهودُ بقتلِه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عبدِ اللهِ بن كثيرٍ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾: نزَلَت في يهودَ حين (٢) أرادوا قتلَ النبيِّ ﷺ
وقال ابن جُريج: قال عبد الله بن كثير: ذهَب رسولُ اللَّهِ ﷺ إلى يهودَ يَسْتَعِينُهم (٣) في دية، فهمُّوا أن يَقْتُلوه، فذلك قولُه: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
(١) ينظر ما تقدم في ص ٤٤ وما بعدها، ٧/ ٥٨٤ وما بعدها. (٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "حنين". وهو تحريف، وفى م والدر المنثور: "خيبر". وأثبتناه كما في التبيان ٣/ ٤٦١، قال: نزلت في يهود حين مضى النبي إلى حصن بني قريظة. فذكره ويلاحظ أنه ذكر بني قريظة ولم يذكر خيبر ولا حنينًا. ولا وجه لكل ذلك فإن الصواب - كما سيأتي بعد قليل - أنهم بنو النضير حين ذهب إليهم النبي ﷺ يستعينهم في دية الرجلين مِن بني عامر، فتآمروا على قتله. راجع ذلك في سيرة ابن هشام ٣/ ١٨٣ - ١٩٠، وفى البداية والنهاية ٥/ ٥٢٨ - ٥٣٤. (٣) في ت:١: "يستغيثهم"، وفى س: "يستفتيهم".