واعْتلَّ الذين قرَءوا ذلك على مثالِ "فاعِلُوه" بإجماعِ القرأةِ على قولِه: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ﴾ [مريم: ٩٥]. قالوا: فكذلك قولُه: (آتُوه) في الجمعِ. وأما الذين قرَءوا على قراءةِ عبدِ اللهِ، فإنهم ردُّوه على قولِه: ﴿فَفَزِعَ﴾. كأنهم وجَّهوا معنى الكلامِ إلى: ويومَ يُنْفَخُ في الصورِ ففزِع من في السماواتِ ومن في الأرضِ، وأتَوه كلُّهم داخرين. كما يقالُ في الكلامِ:[رآني ففَرَّ](١) وعاد وهو صاغرٌ.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أنهما قراءتان مُسْتَفِيضتان في قرأةِ الأمصارِ، مُتقارِبتا المعنى، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.
يقولُ تعالى ذكرُه: وتَرَى الجبالَ يا محمدُ يومَئِذٍ تَحْسَبُها قائمةً، وهى تَمرُّ.
كالذى حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾. يقولُ: قائمةً (٣).
وإنما قيل: ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾؛ لأنها تُجمَعُ، ثم تَسيرُ، فيَحْسَبُ رائيها لكثرتِها أنها واقفةٌ، وهي تَسِيرُ سيرًا حثيثًا، كما قال الجَعْدِيُّ (٤):
(١) في م: "رأى وفر". (٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يفعلون". وهى قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. وبالتاء قرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٤٨٧. (٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/ ٢٩٣٣ من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١١٨ إلى ابن المنذر. (٤) ديوانه ص ١٨٧.