مع اختلافِ مِلَلِهم لا سبيلَ لك إلى إرضاءِ كلِّ حزْبٍ منهم، من أجْلِ أنك إن اتبَعتَ قبلةَ اليهودِ أسخَطتَ النصارَى، وإن اتبَعتَ قبلةَ النصارَى أسخَطتَ اليهودَ، فدعْ ما لا سبيلَ إليه، وادْعُهم إلى ما لهم السبيلُ إليه، من الاجتماعِ على مِلَّتِك الحنيفيَّةِ المُسلِمةِ، وقبلتِك قبلةِ إبراهيمَ صلواتُ اللهِ عليه والأنبياءِ من بعدِه.
يعنى بقولِه جلَّ ذكرُه: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ولئن التمَستَ يا محمدُ رضَا هؤلاءِ اليهودِ والنصارَى الذين قالوا لك ولأصحابِك: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥]. فاتبَعْتَ قبلَتَهم، يَعنى: فرجَعْتَ إلى قبلَتِهم.
ويَعنى بقولِه: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ من بعدِ ما وصَل إليك من العلمِ، بإعلامِى إياك أنهم مقيمون على باطلٍ، على (١) عنادٍ منهم للحقِّ، ومعرفةٍ منهم بأن (٢) القبلةَ التى وجهتُك إليها هى القبلةُ التى فَرضْتُ على أبيكَ إبراهيمَ، صلواتُ اللهِ عليه وسائرِ ولدِه، [ومَن](٣) بعدَه من الرسلِ، التوجُّهَ نحوَها.
﴿إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ يعنى: إنك، إذا فعَلتَ ذلك، من عبادى الظلَمةِ أنْفسَهم، المخالِفين أمرى، والتارِكين طاعتى، وأحدُهم [وفى](٤) عِدادِهم.