وإنما أعلَمَ اللهُ تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ﴾. عبادَه المؤمنين أن السَّعيَ بينهما مِن مَشاعرِ الحجِّ التي سنَّها لهم، وأمَر بها خليلَه إبراهيمَ ﷺ، إذْ سألَه أن يُرِيَه مناسكَ الحجِّ، وذلكَ وإنْ كان مَخرجُه مَخرَجَ الخبرِ، فإنه مرادٌ به الأمرُ؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه قد أمَر نبيَّه محمدًا ﷺ باتِّباعِ مِلةِ إبراهيمَ ﵇، فقال له: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣] وجعَل تعالى ذِكرُه إبراهيمَ إمامًا لمن بعدَه، فإذا كان صحيحًا أن الطوافَ والسعيَ بينَ الصفَا والمروةِ مِن شعائرِ اللهِ ومن مَناسِكِ الحجِّ، فمعلومٌ أنَّ إبراهيمَ ﷺ، قد عمِل به، وسنَّه لمَنْ بعدَه، وقد أُمِرَ نبيُّنا ﷺ وأُمَّتُه باتِّباعِه، فعليهمُ العملُ بذلكَ على ما بيَّنه رسولُ اللهِ ﷺ.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ﴾.
يعني تعالى ذِكرُه: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ﴾ فمَن أتاه عائدًا إليه بعدَ بدءٍ، وكذلك كلُّ مَن أكثَرَ الاختلافَ إلى شيْءٍ فهو حاجٌّ إليه، ومنه قولُ الشاعرِ (١):
يعني بقولِه يَحجُّون: يُكثِرون التردُّدَ إليه لسُؤْدَدِه ورِياسَتِه، وإنَّما قيل للحاجِّ: حاجٌّ. لأنه يأتي البيتَ قبلَ التعريفِ (٤)، ثم يعودُ إليه للطوافِ (٥) يومَ النَّحْرِ
(١) هو المخبل السعدى، والبيت في البيان والتبين ٣/ ٩٧، وفي التاج (س ب ب). واللسان (س ب ب، ح ج ج، ز ب ر ق). (٢) كذا في النسخ، وفي مصادر التخريج: "سِبّ" والسب: هو العمامة كما ذهب إليه الجاحظ ووافقه الطبري، وذهب غيرهم إلى أن السب هنا هي الاست. ينظر تعليق الشيخ شاكر ٣/ ٢٢٨. (٣) الزبرقان: هو حصين بن بدر الفزاري من سادات العرب. المصدر السابق (س ب ب). (٤) التعريف: الوقوف بعرفات. اللسان (ع ر ف). (٥) في م، ت ٣: "لطواف" وفي ت ٢: "مرة بعد أخرى لطواف".