وأولى القولين في ذلك بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْنا عن ابنِ عباسٍ، وهو: ما خَلَقْتُ الجنَّ والإنسَ إلا (١) لعبادتِنا والتذللِ لأمرِنا.
فإن قال قائلٌ: فكيف كفَروا، وقد خَلَقَهم للتذللِ لأمرِه؟
قيل: لأنهم (٢) قد تذَلَّلوا لقضائِه الذي قَضاه عليهم؛ لأن قضاءَه جارٍ عليهم، لا يَقْدِرون مِن الامتناعِ منه إذا نزَل بهم، وإنما خالَفه مَن كفَر به [في العملِ](٣) بما أمَرَه به، فأما التذللُ لقضائِه، فإنه غيرُ ممتنعٍ منه.
وقولُه: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ما أُرِيدُ ممن خلَقْتُ مِن الجنِّ والإنسِ من رزقٍ يَرْزُقونه خَلْقى، ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾. يقولُ: وما أُرِيدُ منهم مِن قُوتٍ أن يَقُوتوهم، ومِن طعامٍ أن يُطْعِموهم.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا معاذُ بنُ هشامٍ، قال: ثنا أبي، عن عمرِو بنِ مالكٍ، عن أبي الجَوْزاءِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾. قال: يُطْعِمون أنفسَهم (٤).