معنى "تلك" إلى معنى "هذه"، وقد بَيَّنَّا وجهَ تَوجيه "تلك" إلى هذا المعنى في سورة "البقرة" بما أغنى عن إعادتِه (١). والآياتُ: الأعلامُ. والكتابُ: اسمٌ من أسماءِ القرآنِ. وقد بيَّنا كلَّ ذلك فيما مضَى قبلُ.
وإنما قلنا: هذا التأويلُ أولى في ذلك بالصواب؛ لأنه لم يَجِئْ للتوراة والإنجيل قبلُ ذكرٌ، ولا تلاوةٌ بعدَه، فيُوجَّهَ إليه الخبرُ.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويلُ الكلام: والرحمنِ، هذه آياتُ القرآن الحكيم. ومعنى الحكيم في هذا الموضع: المُحَكمُ. صُرِفَ "مُفعَل" إلى "فعيل"، كما قيل:"عذابٌ أَلِيمٌ"، بمعنى: مُؤلِمٌ. وكما قال الشاعرُ (٢):
* أَمِنْ رَيحانَةَ الدَّاعِي السَّميعُ *
وقد بيَّنا ذلك في غير موضعٍ من الكتابِ.
فمعناه إذًا: تلك آياتُ الكتابِ المُحكَم، الذي أحكَمه الله وبيَّنه لعبادِه، كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١].
يقولُ تعالى ذكرُه: أكان عجبًا للناسِ إيحاؤُنا القرآن إلى (٣) رجلٍ منهم بإنذارِهم عقابَ الله على مَعاصيه؟! كأنهم لم يَعلَموا أن الله قد أَوحَى مِن قَبلِه إلى
(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٢٨ - ٢٣١. (٢) هو عمرو بن معد يكرب. وقد تقدم البيت بتمامه في ١/ ٢٩٢. (٣) في م: "علي".