يجوزُ: بحسبِك زيدٌ. لأن زيدًا الممدوحُ، فليس بتأويل جزاءٍ.
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ، أن يكونَ "الجزاءُ" مرفوعًا بإضمار، بمعنى: فلهم جزاءُ سيئة بمثلِها. لأن اللهَ قال في الآيةِ التي قبلَها: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾. فوصَف ما أعدَّ لأوليائِه، ثم عقَّب ذلك بالخبرِ عما أعدَّ اللَّهُ لأعدائِه، فالأشبهُ بالكلامِ أن يقالَ: وللذين كَسَبوا السيئاتِ جزاءُ سيئةٍ. وإذا وُجِّهَ ذلك إلى هذا المعنى، كانت "الباءُ" صلةً للجزاءِ.
يقولُ تعالى ذكرُه: كأنما أُلبِسَت وجوه هؤلاء الذين كَسَبوا السيئاتِ ﴿قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ﴾. وهي جمعُ قِطعةٍ.
وكان قتادةُ يقولُ في تأويلِ ذلك ما حدَّثنا به محمدُ بنُ عبدِ الأعْلى، قال: ثنا محمدُ بن ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾. قال: ظلمةٌ مِن الليلِ (١).
واخْتَلَفت القرَأةُ في قولِه تعالى: ﴿قِطَعًا﴾. فقرَأتْه عامة قرأة الأمصار: ﴿قِطَعًا﴾ بفتح "الطاءِ"، على معنى جمع قِطْعةٍ (٢)، وعلى معنى أن تأويلَ ذلك: كأنما أُغْشِيت وجهَ كلِّ إنسان منهم قطعةٌ مِن سَوادِ الليل. ثم جمع ذلك فقيل: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا﴾: مِن سَوادٍ، إذ جُمِعَ الوجهُ.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩٤٧ عن محمد بن عبد الأعلى به، وعبد الرزاق في تفسيره ١/ ٢٩٦ عن معمر به. (٢) هي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة. ينظر السبعة ص ٣٢٥ والكشف ١/ ٥١٧، والتيسير ص ٩٩.