حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الكلبيِّ: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾: إنما يعنى الإنسانَ، يقولُ: خلَقتُك في أحسنِ تقويمٍ، فما يكذبُك أيُّها الإنسانُ بعدُ بالدينِ (١)؟
وقال آخرون: إنما عنى بذلك رسولُ اللَّهِ ﷺ، وقيل له: استيقِنْ مع ما جاءك من اللَّهِ من البيان - أن اللَّهَ أحكمُ الحاكمين.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ أي: استيقِنْ بعدَ ما جاءك من اللَّهِ البيانُ، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ (٢)؟
وأولى الأقوال في ذلك عندى بالصواب قولُ مَن قال: معنى "ما" معنى (مَنْ). ووجَّهَ تأويلَ الكلام إلى: فمن يكذِّبُك يا محمدُ بعدَ الذي جاءك من هذا البيانِ من اللَّهِ - ﴿بِالدِّينِ﴾؟ يعنى: بطاعة اللَّهِ، ومجازاته العباد على أعمالهم.
وقد تأوَّل ذلك بعضُ أهلِ العربية (٣) بمعنى: فما الذي يكذِّبُك بأن الناسَ يُدانُون بأعمالِهم؟ وكأنه قال: فمن يَقْدِرُ على تكذيبك بالثوابِ والعقابِ، بعدَ ما تبين له خلقُنا الإنسان على ما وصَفنا؟
واختلَفوا في معنى قوله: ﴿بِالدِّينِ﴾؛ فقال بعضُهم: بالحساب.
(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣٨٣ عن معمر به. (٢) تقدم تخريجه في ص ٥٠٣، وليس هذا اللفظ عند عبد الرزاق ولا ابن عساكر. (٣) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٧٧.