الأنصارِ اسْتُودِع درعًا فجحَد صاحبَها، فخوَّنه رجالٌ مِن أصحابِ نبيِّ اللهِ ﷺ، فغضِب له قومُه، وأتَوا نبيَّ اللهِ ﷺ، فقالوا: خوَّنوا صاحبَنا وهو أمينٌ سَلَّمٌ، فاعْذِرْه يا نبيَّ اللَّهِ وَازْجُرُ (١) عنه. فقام نبيُّ اللهِ ﷺ ما فعذَره، وكذَّب. عنه، وهو يَرَى أنه برئٌ وأنه مكذوبٌ عليه، فأنْزَل اللهُ جل ثناؤُه بيانَ ذلك فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾، إلى قوله: ﴿أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾. فبَيَّن اللهُ جل ثناؤُه خيانتَه، فلحِق بالمشركين مِن أهلِ مكةَ، وارتدَّ عن الإسلامِ، فنزَل فيه: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إلى قولِه: ﴿وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (٢).
قال أبو جعفرٍ: وأولى التأويلين في ذلك بما دلَّ عليه ظاهرُ الآيةِ قولُ مَن قال: كانت خيانتُه التي وصَفه اللهُ بها في هذه الآيةِ جحودَه ما أُودِع؛ لأن ذلك هو المعروفُ مِن معاني الخياناتِ في كلامِ العربِ، وتوجيهُ تأويلِ القرآنِ إلى الأشهرِ مِن معاني كلامِ العربِ - ما وُجِد إليه سبيلٌ - أولى مِن غيره.