واختَلَف أهلُ العربيةِ في معنى ذلك، وفي وجهِ نصبِ قولِه: ﴿كَبُرَ مَقْتًا﴾؛ فقال بعضُ نحويي البصرةِ: قال: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾. أي: كبُر مقتُكم مقتًا. ثم قال: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. أي (١): قولُكم.
وقال بعضُ نحويي الكوفةِ (٢): قولُه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. كان المسلمون يقولون: لو نَعلمُ أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللَّهِ لأتيناه ولو ذهَبت فيه أنفسُنا وأموالُنا. فلما كان يومُ أحدٍ نزَلوا عن النبيِّ ﷺ حتى شُجَّ وكُسِرَت رَباعِيَتُه، فقال: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. ثم قال ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾: كبُر ذلك مقتًا. أي: فـ "أن" في موضعِ رفعٍ؛ لأن ﴿كَبُرَ﴾. كقولِه: بئس رجلًا أخوك. وقولُه: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٣٥]. أُضْمِر في ﴿كَبُرَ﴾ اسمٌ يكونُ مرفوعًا.
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي أن قولَه: ﴿مَقْتًا﴾. منصوبٌ على التفسيرِ؛ كقولِ القائلِ: كبُر قولًا هذا القولُ.
يقولُ تعالى ذكرُه للقائلين: لو علِمْنا أحبَّ الأعمالِ إلى اللَّهِ لعمِلْناه حتى نموتَ: إنَّ اللَّهَ أَيُّها القومُ ﴿يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا (٣)﴾. يعني: في طريقِه ودينِه الذي دعا إليه، ﴿صَفًّا﴾. يعني بذلك أنهم يُقاتِلون أعداءَ
(١) في م، ت ٢: "أذى". (٢) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ١٥٣. (٣) في م: "كأنهم"