فنتبعَكم طلبَ ذلك الفضلِ، وابتغاءَ ما أصبتُموه بخلافِكم إيانا ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾، وهذا خطابٌ منهم لنوحٍ، ﵇، وذلك أنهم إنما كذَّبوا نوحًا دونَ أتباعِه؛ لأن أتباعَه لم يكونوا رسلًا، وأخرَج الخطابَ، وهو واحدٌ، مُخرجَ خطابِ الجميعِ، كما قيل: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١]. وتأويلُ الكلامِ: بل نظنُّك، يا نوحُ، في دَعْواك أن اللَّهَ ابْتَعَثَك إلينا رسولًا - كاذبًا.
وبنحوِ ما قلنا في تأويلِ قوله: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾. قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن عطاءٍ الخُراسانيِّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾. قال: فيما ظَهَرَ لنا (١).
يقولُ تعالى ذكرُه، مخبِرًا عن قيلِ نوحٍ لقومِه، إذ (٢) كذَّبوه وردُّوا عليه ما جاءهم به مِن عندِ اللَّهِ من النصيحةِ: ﴿يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾: على علمٍ ومعرفةٍ وبيانٍ مِن اللَّهِ لي ما يَلْزَمُني له، ويجبُ عليَّ مِن إخلاصِ العبادةِ له، وتركِ إشراكِ الأوثانِ معه فيها، ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾. يقولُ: ورَزَقَني منه التوفيقَ والنبوةَ والحكمةَ، فآمنتُ به، وأطعتُه فيما أمَرني ونَهاني: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما في تغليق التعليق ٤/ ٨ - من طريق عطاء به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٢٦ إلى ابن المنذر. (٢) في ت ١، ت ٢: "إن".