وقولُه: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ اختلفت القرأةُ في قراءتِه؛ فقَرأتْه عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والعراقِ: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ بغيرِ همزِ "البادِي"، وبهمزِ ﴿الرَّأْيِ﴾، بمعنى: ظاهرِ الرأيِ. مِن قولِهم: بَدَا الشيءُ يبدو. إذا ظَهَر (١)، كما قال الراجزُ:
أضْحَى لِخالي شَبَهِي بَادِي بَدِي
وصارَ للفَحْلِ لِساني وَيَدِي (٢)
بادي بَدِي، بغيرِ همزٍ. وقال آخرُ:
وقد عَلَتْنِي (٣) ذُرْأَةٌ (٤) بادِي بَدِي (٥)(٦)
وقرَأ ذلك بعضُ أهلِ البصرةِ:(بادِئَ الرأيِ)، مهموزًا أيضًا، بمعنى: مبتدأَ الرأيِ. مِن قولِهم: بدأتُ بهذا الأمرِ. إذا ابتدأتَ به قبلَ غيرِه (٧).
وأولى القراءتين بالصوابِ في ذلك (٨) عندَنا، قراءةُ مَن قرأَ: ﴿بَادِيَ﴾، بغيرِ همزِ "البادِي"، وبهمزِ ﴿الرَّأْيِ﴾؛ لأن معنى ذلك الكلامِ: إلا الذين هم أراذِلُنا، في ظاهرِ الرأيِ، وفيما يظهرُ لنا.
وقولُه: ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾. يقولُ: وما نَتَبَيَّنُ لكم علينا مِن فضلٍ نِلْتُموه بمُخالفتِكم إيانا في عبادةِ الأوثانِ إلى عبادةِ اللَّهِ، وإخلاصِ العُبُودةِ له،
(١) هي قراءة السبعة إلا أبا عمرو. ينظر السبعة ص ٣٣٢. وحجة القراءات ص ٣٣٨، والتيسير ص ١٠١. (٢) البيت في معاني القرآن ٢/ ١١، واللسان (ب د و). (٣) في ت ١، س، ف: "غلبني". (٤) في ت ١، ت ٢، س: "ذره"، والذرأة: الشَّمَط والشيب. تاج العروس (ذ ر أ). (٥) في م: "بدئ"، وفي ف: "يدى". (٦) البيت في مجاز القرآن ١/ ٢٨٨، وإصلاح المنطق ص ١٧٢، والأغاني ٢٠/ ٤١٨. (٧) هي قراءة أبي عمرو. ينظر السبعة ص ٣٣٢، وحجة القراءات ص ٣٣٨، والكشف ١/ ٥٢٦، والتيسير ص ١٠١. (٨) القراءتان كلتاهما صواب.