والقراءةُ التي لا نسْتَجِيزُ غيرَها في ذلك عندَنا بالنونِ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾؛ لأنها القراءةُ التي قامَت حجتُها بالنقلِ المُستفيضِ الذي يَمْتَنِعُ معه التَّشاعُرُ (١) والتَّواطُؤُ والسهوُ والغَلَطُ، بمعنى ما وصَفْنا من: يقولون: لا نُفَرِّقُ بينَ أحدٍ مِن رسلِه. ولا يُعْتَرَضُ بشاذٍّ مِن القراءةِ على ما جاءَت به الحجةُ نقلًا وراثةً (٢).
يعنى بذلك جل ثناؤُه: وقال الكلُّ مِن المؤمنين: سمِعنا قولَ ربِّنا وأمْرَه إِيَّانا بما أمَرَنا به، ونهيَه عما نهانا عنه ﴿وَأَطَعْنَا﴾. يعنى: أطَعْنا رَبَّنا فيما أَلْزَمنَا مِن فرائضِه واسْتَعْبَدَنا به مِن طاعتِه، وسلَّمْنا له.
وقولُه: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾. يعني: وقالوا: غفرانَك ربَّنا. بمعنى: اغْفِرْ لنا ربَّنَا غُفْرَانَك. كما يُقالُ: سبحانَك. بمعنى: نُسَبِّحُك سبحانَك.
وقد بيَّنَّا فيما مضَى أن الغفرانَ والمغفرةَ السترُ مِن اللهِ ﷿ على ذنوبِ مَن غُفِر له، وصَفْحُه له عن هَتْكِ سترِه بها في الدنيا والآخرةِ، وعفوُه عن العقوبةِ عليه (٣).
وأما قولُه: ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. فإنه يعنى جل ثناؤُه أنهم قالوا: وإليك يا ربَّنا مَرْجِعُنا ومَعادُنا، فاغْفِرْ لنا ذنوبَنا.
فإن قال لنا قائلٌ: فما الذي نصَب: ﴿غُفْرَانَكَ﴾؟
قيل له: وقوعُه وهو مصدرٌ موقعَ الأمرِ، وكذلك تَفْعَلُ العربُ بالمصادرِ
(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "التشاغر". والتشاعر: التعالم. من "شعر" بمعنى: علم. (٢) في ص، م، س: "ورواية". (٣) ينظر ما تقدم ١/ ٧٢٠، ٧٢١.