وأما قولُه: ﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾. فهو خبرٌ مِن اللهِ مبتدأٌ، يقولُ تعالى ذكرُه: أُقسِمُ لقد جاءك الحقُّ اليقينُ مِن الخبِر بأنك للَّهِ رسولٌ، وأن هؤلاء اليهودَ والنصارى يَعْلَمون صحةَ ذلك، ويَجِدون نعتَك عندَهم في كتُبِهم. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾. يقولُ: فلا تكوننَّ مِن الشاكِّين في صحةِ ذلك وحقيقتِه.
ولو قال قائلٌ: إن هذه الآيةَ خُوطب بها النبيُّ ﷺ، [والمرادُ بها بعضُ مَن لم يكُنْ صَحت بصيرتُه بنبوتِ ﷺ](١) ممن كان قد أظهر الإيمانَ بلسانِه، تنبيهًا له على موضعِ تَعَرُّفِ (٢) حقيقةِ أمرِه الذى يزيلُ اللَّبْسَ عن قلبِه، كما قال جلّ ثناؤُه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: ١]. كان قولًا غيرَ مدفوعةٍ صحتُه.
القولُ في تأويلِ قولِه تعالى ذكرُه: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٩٥)﴾.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه ﷺ: ولا تكونن يا محمدُ مِن الذين كذَّبوا بحُجَج الله وأدلتِه، فتكونَ ممن غُبِنَ حظَّه، وباع رحمةَ اللهِ ورضاه بسَخَطِه وعقابِه.