وقال آخرون: بل عَنَى بهذا القولِ أولياءَ النساءِ، فقيل لهم: إن طابت (١) النساءُ اللواتي إليكم عِصْمةُ نكاحهنَّ بصَدُقاتِهن نفسًا، فكُلُوه هَنيئًا مَرِيئًا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا سيارٌ، عن أبي صالحٍ في قولِه: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾. قال: كان الرجلُ إذا زوَّج ابنتَه عمَدَ إلى صداقِها فأخَذه، قال: فنزلت هذه الآيةُ في الأولياءِ: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ (٢).
وأولى التأويلين في ذلك بالصوابِ التأويلُ الذي قُلْنا، وأن الآيةَ مخاطبٌ بها الأزواجُ؛ لأن افتتاحَ الآية مُبْتَدَأٌ بذكرِهم، وقولُه: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾. في سياقِه.
وإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾. وقد علمت أن معنى الكلامِ: فإن طابت لكم أنفسُهن بشيءٍ، وكيف وُحِّدت النفسُ والمعنى للجميعِ، وذلك أنه تعالى ذكرُه قال: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ﴾؟ قيل: أما نقلُ فعلِ النفوسِ إلى أصحابِ النفوسِ، فإن ذلك المستفيضُ في كلامِ العربِ، من كلامِها المعروفِ: ضِقْتُ بهذا الأمرِ ذراعًا وَذَرْعًا، وقَرِرْتُ بهذا الأمرِ عينًا. والمعنى: ضاق به ذراعى، وقرَّت به عينى، كما قال الشاعرُ (٣):
(١) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "أنفس". (٢) تقدم تخريجه في ص ٣٨١. (٣) البيت للقطامي، وهو في ديوانه ص ٤٠، ومعاني القرآن للفراء ١/ ٢٥٦، ولسان العرب (ت ى ز).