فأنَّثَ "قريبةً"، وذَكَّر "بعيدًا" على ما وَصَفْتُ، ولو كان "القريبُ" مِن القرابةِ في النسبِ، لم يكنْ مع المؤنثِ إلا مؤنثًا، ومع الجمعِ إلا مجموعًا.
وكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يقولُ: ذُكِّر ﴿قَرِيبٌ﴾، وهو صفةٌ لـ "الرحمةِ"، وذلك كقولِ العربِ: ريحٌ خَرِيقٌ (١)، ومِلْحَفَةٌ جَديدٌ، وشاةٌ سَديسٌ (٢). قال: وإن شئتَ قلتَ: تفسيرُ الرحمةِ ههنا المطرُ ونحوُه، فلذلك ذُكِّرَ، كما قال: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا﴾ [الأعراف: ٨٧]. فذَكَّر؛ لأنه أرادَ الناسَ. وإن شئتَ جعلتَه كبعضِ ما يُذَكِّرون مِن المؤنثِ، كقولِ الشاعرِ (٣):
* وَلَا أَرضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا *
وقد أنكَر ذلك (٤) بعضُ أهلِ العربيةِ، ورأى أنه يَلْزَمُه إِن جازَ أَن يُذَكِّرَ "قريبًا" تَوْجيهًا منه لـ "الرحمة" إلى معنى المطرِ، أن يقولَ: هندٌ قامَ. توجيهًا منه لـ "هند" وهى امرأةٌ، إلى معنى "إنسانٍ"، ورأى أن ما شبَّه به قولَه: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾. بقوله: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا﴾. غيرُ مُشْتَبِهَيْن (٥). وذلك أن "الطائفةَ" فيما زعَم مصدرٌ بمعنى "الطَّيفِ"، كما الصيحةُ والصياحُ بمعنًى، ولذلك قيل: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود: ٦٧].
= ونسب إلى عروة بن حزام في الأغانى ٢٤/ ١٥٥، وخزانة الأدب ٣/ ٢١٥ والبيت فيهما برواية أخرى. (١) ريح خريق: شديدة، وقيل: لينة سهلة. فهو ضد. اللسان (خ ر ق). (٢) شاة سَديس: أي أتت عليها السنة السادسة. اللسان (س د س). (٣) هو عامر بن جوين الطائى. وهذا شطر بيت تقدم تخريجه في ١/ ٤٥٩. (٤) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "من قيله". (٥) في م: "مشبهه". (٦) في النسخ: "نشرا" وأثبتناها في تصحيفنا، وسيأتي كلام المصنف في القراءات في الآية.