وقد اخْتَلفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ الأمصارِ ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ على تقديرِ فُعَلَةٍ مثل: تُخَمَةٍ، وتُؤَدَةٍ، وتُكَأَةٍ، مِن "اتَّقَيْت".
وقرَأ ذلك آخَرون:(إلَّا أنْ تَتَّقُوا منهم تَقِيَّةً). على مثالِ فَعِيلَةٍ (١).
والقراءةُ التي هي القراءةُ عندَنا قراءةُ مَن قرأها: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾؛ لثُبوتِ حُجَّةِ ذلك بأنه القراءةُ الصحيحةُ، بالنقلِ المُستفيضِ الذي يَمْتنِعُ معه (٢) الخطأُ.
يَعنى تعالى ذِكْرُه بذلك: ويُخَوِّفُكم الله مِن نفسِه أن تَرْكَبُوا معاصِيَه، أو تُوالُوا أعداءَه، [فإلى اللهِ](٣) مَرْجِعُكُم ومصيرُكم بعدَ مماتِكم، ويومُ حشرِكم لموقفِ الحسابِ. يَعنى بذلك: متى صِرْتُم إليه وقد خالَفْتُم ما أمرَكم به، وأتَيْتُم ما نهاكم عنه من اتخاذِ الكافرينَ أولياءَ مِن دونِ المؤمنين نالكم مِن عقابِ ربِّكم ما لا قِبَلَ لكم به. يقولُ: فاتَّقُوه واحْذَروه أن ينالَكم ذلك منه، فإنه شديدُ العقابِ.
(١) وهي رواية المفضل عن عاصم، وبها قرأ يعقوب - وهو من العشرة - ووافقه الحسن، وقرأ الباقون بالوجه الأول. ينظر البحر المحيط ٢/ ٤٢٤، وإتحاف فضلاء البشر ص ١٠٤. (٢) في النسخ: "منه". وهو تصحيف. والصواب ما أثبت. (٣) في ص، ت ١، س: "فإن الله"، وفى م: "فإن الله".