وقد ذُكِر عن بعضِ القرأةِ أنه كان يَقْرَأُ ذلك:(وَمَنْ يَرِدْ فِيهِ) بفتح الياءِ (١)، بمعنى: ومن يَرِدْه بالحادٍ. من: وَرَدْتُ المكانَ أَرِدُه. وذلك قراءةٌ لا تَجُوزُ القراءةُ عندى بها؛ لخلافِها ما عليه الحجةُ مِن القرأةِ مجمعةٌ، مع بُعدِها مِن فصيحِ كلامِ العربِ، وذلك أنَّ "يَرِدْ" فعلٌ واقعٌ، يقالُ منه: هو يَرِدُ مكانَ كذا، أو بلدةَ كذا، غدًا. ولا يقالُ: يَرِدُ في مكانِ كذا.
وقد زعَم بعضُ أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ أن طَيِّئًا تقولُ: رغِبتُ فيك. تريدُ: رَغِبتُ بك. وذَكر أنَّ بعضَهم أَنشَده بيتًا له (٢):
وأَرْغَبُ فيها عن لَقِيطٍ ورَهْطِه … ولَكنني عن سِنْبِسٍ لستُ أرغبُ
بمعنى: وأرغبُ بها. فإن كان ذلك صحيحا كما ذكرنا، فإنه يجوزُ في الكلامِ، فأما القراءةُ به فغيرُ جائزةٍ؛ لِما وصفتُ.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ، مُعْلِمَه عظيمَ ما ركِب قومُه مِن قُرَيشٍ خاصَّةً دونَ غيرِهم مِن سائرِ خَلْقِه، بعبادتِهم في حَرَمِه والبيتِ الذي أَمَر إبراهيمَ خَليلَه ﵇ ببنائِه وتطهيرِه مِن الآفاتِ والرِّيَبِ والشركِ: واذكُرْ يا محمدُ كيف ابْتَدَأْنا هذا البيتَ الذي يَعْبُدُ قومُك فيه غيرى، إذ بوَّأْنا لخليلِنا إبراهيمَ. يعنى بقولِه: ﴿بَوَّأْنَا﴾: وَطَّأْنا له مكانَ البيتِ.
كما حدَّثنا ابن عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قَتادةَ قولَه: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾. قال: وضَع اللَّهُ البيتَ مع آدمَ ﵇ حينَ أَهْبَط آدمَ إلى الأرضِ، وكان مَهْبِطُه بأرضِ الهندِ، وكان رأسُه في
(١) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٢٣، والبحر المحيط ٦/ ٣٦٣. (٢) سقط من: م، والبيت تقدم في ١٣/ ٦٠٨.