قال ابن عباسٍ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾. قال: يُوَطِّن محمدًا ﷺ أنه جاعلٌ له عدوًّا من المجرمين، كما جعَل لمن قبلَه (١).
وقولُه: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه: وكفاك يا محمدُ بربِّك هاديًا يَهْدِيك إلى الحقِّ، ويُبصِّرُك الرَّشْدَ، ﴿وَنَصِيرًا﴾. يقولُ: وناصرًا لك على أعدائِك. يقولُ: فلا يَهِيدَنَّكَ أعداؤك (٢) مِن المشركين، فإنى ناصرُك عليهم، فاصبِرْ لأمرى، وامضِ لتبليغِ رسالتي إليهم.
يقولُ تعالى ذكرُه: وقال الذين كفَروا بالله: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ﴾. يقولُ: هلّا نُزِّل على محمدٍ ﷺ القرآنُ جُملةً واحدةً، كما أُنزلِت التوراةُ على موسى جملةً واحدةً؟ قال اللهُ: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾. تنزيلُه عليك الآيةَ بعدَ الآيةِ، والشيءَ بعدَ الشيءِ؛ لنُثَبِّتَ به فؤادَك نزَّلناه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾. قال: كان اللهُ يُنَزِّلُ عليه الآيةَ، فإذا علِمها نبيُّ اللهِ نزَلت آيةٌ أُخرى، ليعلِّمَه الكتابَ عن ظهرِ قلبِه، ويُثبِّتَ به فؤادَه (٣).
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٧٠ إلى المصنف. (٢) في ف: "يهتديك"، وفى م: "يهولنك"، وفى ت ٢: "يعتديك". ويهيدنك من: هاده الشيء هيدًا وهادًا: أفزعه وكربه، وتقول: ما يهيدنى ذلك. أي ما يزعجنى وما أكترث له، ولا أباليه. اللسان (هـ ى د). (٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٦٩١ عن محمد بن سعد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٧٠ =