قال: سمِعْتُ الضَّحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾: هم ناسٌ تخَلَّفوا عن نبيِّ اللهِ ﷺ، وأقاموا بمكةَ، وأعْلَنوا الإيمانَ، ولم يُهاجِروا، فاخْتَلَف فيهم أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ، فتوَلَّاهم ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، وتبرَّأَ مِن وَلايتِهم آخرون، وقالوا: تخَلَّفوا عن رسولِ اللهِ ﷺ، ولم يُهاجروا. فسمَّاهم اللهُ مُنافِقِين، وبرَّأ المؤمنين من وَلايتِهم، وأمَرهم ألَّا يَتَوَلَّوْهم حتى يُهاجروا (١).
وقال آخرون: بل كان اخْتلافُهم في قومِ كانوا بالمدينةِ أرادوا الخروجَ عنها نِفاقًا.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ مُفَضَّلٍ، قال: ثنا أسْباطُ، عن السديِّ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾. قال: كان ناسٌ من المنافقين أرادوا أن يَخْرُجوا من المدينةِ، فقالوا للمؤمنين: إنَّا قد أصابَنا أوْجاعٌ في المدينةِ واتَّخَمْناها (٢)، فلعلَّنا أن نَخْرُجَ إِلى الظَّهْرِ (٣)، حتى نَتَماثَلَ ثم نَرْجِعَ، فإنا كنا أصحابَ بَرِّيَّةٍ. فانْطَلَقوا. فاخْتَلَف فيهم أصحاب النبيِّ ﷺ، فقالت طائفةٌ: أعداءُ الله منافقون، ودِدْنا أن رسول اللهِ ﷺ أذِن لنا فقاتَلْناهم. وقالت طائفةٌ: لا، بل إخْوانُنا غمَّتْهم (٤) المدينةُ، فاتَّخَموها، فخرَجوا إلى الظُّهْرِ يَتَنَزَّهون، فإذا برَءوا رجَعوا. فقال اللهُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾. يقولُ: ما لكم
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٩٠، ١٩١ إلى المصنف. (٢) اتخمناها: استثقلناها. (٣) الظهر: ما غلظ من الأرض وارتفع. التاج (ظ هـ ر). (٤) في م، س: "تخمتهم".