وهذه الآيةُ مما وبَّخ اللهُ بها المخاطَبِين مِن بنى إسرائيلَ في نَقْضِ أوائلِهم الميثاقَ الذى أخَذه اللهُ عليهم بالطاعةِ لأنْبيائِه، فقال لهم: واذْكُروا أيضًا مِن نَكْثِكم مِيثاقى، ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى﴾ -وقومُه بنو إسرائيلَ، إذ ادَّارَءُوا في القَتيلِ الذى قُتِل فيهم إليه-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾. والهُزُؤُ: اللَّعِبُ والسُّخْريةُ، كما قال الراجزُ (١):
قد هزِئَتْ منى أُمُّ طَيْسَلَهْ
قالَتْ أَرَاهُ مُعْدِمًا لا شيءَ لَهْ
يعنى بقولِه: قد هَزِئَت: قد سخِرَت ولعِبَت.
ولا يَنْبَغِى أن يَكونَ مِن أنْبياءِ اللهِ -فيما أخْبَرَتْ عن اللهِ مِن أمرٍ أو نهيٍ- هُزُؤٌ أو لعبٌ، فظنُّوا بموسى أنه في أمرِه إياهم -عن أمرِ اللهِ تعالى ذكرُه بذبحِ البقرةِ عندَ تَدَارُئِهم في القتيلِ إليه (٢) - هازئٌ لاعبٌ، ولم يَكُنْ لهم أن يَظُنُّوا ذلك بنبىِّ اللهِ، وهو يُخْبِرُهم أن اللهَ هو الذى أمَرَهم بذبحِ البقرةِ.
(١) هو صخير بن عميرٍ التميمى، والرجز في الأصمعيات ص ٢٣٤، وأمالى القالى ٢/ ٢٨٤، وسمط اللآلى ص ٩٣٠، واللسان (ط س ل) على اختلاف في روايته. (٢) بعده في م: "أنه".