يقولُ تعالى ذكره مُخْبِرًا عن قيله لآدم حين أسكنه الجنةَ: إن لك يا آدم، ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾. و"أن" في قوله: ﴿أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا﴾. في موضع نصبٍ بـ ﴿إِنّ﴾ التي في قوله: ﴿إِنَّ لَكَ﴾.
وقوله: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا﴾. اخْتَلَفت القرأة في قراءتها؛ فقرأ ذلك بعضُ قرأة المدينة والكوفة بالكسر:(وإنك)(١) على العطف على قوله: ﴿إِنَّ لَكَ﴾. وقرأ ذلك بعضُ قرأة المدينة وعامة قرأة الكوفة والبصرة: ﴿وَأَنَّكَ﴾ (٢) بفتح ألفها عطفًا بها على "أنْ" التي في قوله: ﴿أَلَّا تَجُوعَ﴾. ووجَّهوا تأويل ذلك إلى: أن لك هذا وهذا، وهذه القراءة أعجبُ القراءتين إليَّ؛ لأن الله تعالى ذكرُه وعد ذلك آدم ﵇ حينَ أسْكَنه الجنةَ، فكَوْنُ ذلك بأن يكون عطفًا على: ﴿أَلَّا تَجُوعَ﴾ أَوْلى من أن يكون خبرًا مبتدأً، وإن كان الآخرُ غير بعيدٍ من الصواب.
وعُنِي بقوله: ﴿لَا تَظْمَأُ فِيهَا﴾: لا تَعْطَشُ في الجنة ما دُمْتَ فيها، ﴿وَلَا تَضْحَى﴾. يقولُ: ولا تَظْهَرُ للشمس فيُؤذيك حرُّها. كما قال عمر بن أبى ربيعة (٣):
رأَتْ رَجُلًا أَمَّا إذا الشمس عارَضَتْ … فيَضْحَى وأمَّا بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ (٤)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(١) وهى قراءة نافع وأبى بكر. حجة القراءات ص ٤٦٤. (٢) وهى قراءة ابن كثير وحفص وأبى عمرو وابن عامر وحمزة والكسائى وأبى جعفر ويعقوب وخلف. النشر ٢/ ٢٤٢. (٣) شرح ديوانه ص ٩٤. (٤) خَصِرَ الرجل: آلمه البرد في أطرافه. اللسان (خ ص ر).