موسى: انْطَلِقوا إلى موعدِ ربِّكم. فقالوا: يا موسى، أمَا مِن توبةٍ؟ قال: بلى (١)، اقْتُلُوا أنفُسَكم ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ الآية. فاخْتَرَطوا السيوفَ والجِرَزةَ (٢) والخنَاجرَ والسَّكاكِينَ، قال: وبُعِثت عليهم ضَبابةٌ. قال: فجعَلوا يَتَلامَسون بالأيدى ويَقْتُلُ بعضُهم بعضًا. قال: ويَلْقَى الرجلُ أباه وأخاه فيَقْتُلُه ولا يَدْرِى، قال: ويَتَنادَوْن فيها: رحِم اللهُ عبدًا صبَر حتى يَبلُغَ اللهُ رضاه. وقرَأ قولَ اللهِ جل ثناؤُه: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣] قال: فقَتْلاهم شُهداءُ، وتِيب على أحيائِهم. وقرَأ: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
فالذى ذكَرْنا -عمَّن روَيْنا عنه الأخبارَ التى روَيْناها- كان توبةَ القومِ مِن الذنبِ الذى أتَوْه فيما بينَهم وبينَ ربِّهم، بعبادتِهم العجلَ، مع ندمِهم على ما سلَف منهم مِن ذلك.
وأما معنى قولِه: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾. فإنه يعنى: ارْجِعوا إلى طاعةِ خالقِكم وإلى ما يُرْضِيه عنكم.
كما حدَّثنى المثنى بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا آدمُ، قال: ثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبى العاليةِ: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾. أى: إلى خالقِكم (٣).
وهو مِن: بَرَأ اللهُ الخلقَ [يَبْرَؤُهم بَرْءًا](٤)، فهو بارِئُهم (٥). والبَرِيَّةُ
(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بل". (٢) الجرزة، جمع الجُرْز: العمود من الحديد. اللسان (ج ر ز). (٣) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١١٠ (٥٢٦) من طريق آدم به. (٤) في م: "يبرؤه". (٥) في م: "بارئ".