فقال بعضُ نَحويى البصرةِ: معنى ذلك: ما كان لهم الاستغفارُ، وكذلك معنى قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ﴾ [يونس: ١٠٠]: وما كان لنفسٍ الإيمانُ ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
وقال بعض نحويى الكوفةِ: معناه: ما كان يَنْبَغِى لهم أن يَسْتَغْفِرُوا لهم. قال: وكذلك إذا جاءت "أن" مع "كان"، فكلُّها بتأويلِ: ينبغي؛ ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١]: ما كان يَنْبَغِي له، ليس هذا من أخلاقِه. قال: فلذلك إذا (١) دَخَلَت "أن" تدلُّ على الاستقبال؛ لأن "ينبغي" تطلب (٢) الاستقبالَ.
وأما قوله: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾، فإن أهلَ التأويلِ (٣) اخْتَلَفوا في السببِ الذي أُنزِل فيه؛ فقال بعضُهم: أُنزِل مِن أجلِ أن النبيَّ ﷺ وأصحابَه كانوا يَسْتَغْفرون لمَوتاهم المشركين، ظَنًّا منهم أن إبراهيمَ خليلَ الرحمنِ قد فَعَل ذلك حينَ أنزَل اللَّهُ ﷿ قولَه خبرًا عن إبراهيمَ: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧].
وقد ذَكَرنا الروايةَ عن بعضِ مَن حَضَرَنا ذكرُه، [وسنذكُرُ عمَّن لم نذكُرْه](٤).
حدَّثنا ابن بَشَّارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الخليلِ، عن عليٍّ، قال: سمِعتُ رجلًا يستغفرُ لوالدَيه وهما مُشْرِكان، [فقلتُ له: أتستغفِرُ لهما وهما مُشْرِكان](٥)؟ فقال: أوَ لم يستغفِرْ إبراهيمُ
(١) سقط من: الأصل، ص، ت ١، ت ٢. (٢) في ص: "لطلب"، وفى ف: "يطلب". (٣) في ص، م، ت ١ ت ٢، ف: "العلم". (٤) في الأصل: "وسأذكر عمن لم أذكره". (٥) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف، وفى م: "فقلت: أيستغفر الرجل لوالديه وهما مشركان؟ ".