وقال آخَرون: بل عنَى بذلك سارقَ عشَرةِ دراهمَ فصاعدًا. وممن قال ذلك أبو حنيفةَ وأصحابُه. واحتَجُّوا في ذلك بالخبرِ الذي رُوِىَ عن عبدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو (١) وابنِ عباسٍ أن النبيَّ ﷺ قطَع في مِجَنٍّ قيمتُه عشَرةُ دراهمَ (٢).
وقال آخرون: بل عنَى بذلك سارقَ القليلَ والكثيرَ. واحتَجُّوا في ذلك بأن الآيةَ على الظاهرِ، وأن ليس لأحدٍ أن يَخُصَّ منها شيئًا إلا بحجةٍ يَجِبُ التسليمُ لها. وقالوا: لم يَصِحَّ عن رسولِ اللَّهِ ﷺ خَبرٌ بأن ذلك في خاصٍّ مِن السُّرَّاقِ. قالوا: والأخبارُ فيما قطَع فيه رسولُ اللَّهِ ﷺ عنه مضطربةٌ مختلفةٌ، ولم يَروِ عنه أحدٌ أنه أُتِىَ بسارقِ درهمٍ فخلَّى عنه، وإنما رَوَوْا عنه أنه قطَع في مِجَنٍّ قيمتُه ثلاثةُ دراهِمَ. قالوا: وممكنٌ أن يكونَ لو أُتِىَ بسارقِ ما قيمتُه دانِقٌ (٣) أن يُقْطَعَ. قالوا: وقد قطَع ابن الزُّبير في درهمٍ. ورُوِىَ عن ابن عباسٍ أنه قال: الآيةُ على العمومِ.
حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا يَحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا عبدُ المؤمِنِ، عن نَجْدَةَ الحَنَفِيِّ، قال: سألتُ ابنَ عباسٍ عن قولِه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾. أخاصٌّ أم عامٌّ؟ فقال: بل عامٌّ (٤).
والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا قولُ مَن قال: الآيةُ مَعْنيٌّ بها خاصٌّ مِن السُّرَّاقِ، وهم سُرَّاقُ ربعِ دينارٍ فصاعدًا أو قيمتِه؛ لصحةِ الخبرِ عن رسولِ الله ﷺ أنه
(١) في ص، م، ت ١، س: "عمر". (٢) حديث ابن عمرو أخرجه الإمام أحمد ١١/ ٢٨١، ٥٠٢ (٦٦٨٧، ٦٩٠٠)، والنسائى (٤٩٧١)، وفى الكبرى (٧٤٤٤)، والطحاوى في شرح معاني الآثار ٣/ ١٦٣، والدارقطنى ٣/ ١٩٠ - ١٩٣، والبيهقى ٨/ ٢٥٩، وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود (٤٣٨٧)، والنسائى (٤٩٦٥، ٤٩٦٦)، والحاكم ٤/ ٣١٨، والطحاوى في شرح معاني الآثار ٣/ ١٦٣. وينظر فتح البارى ١٢/ ١٠٣. (٣) الدائق: سدس الدرهم. الصحاح (د ن ق). (٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٨٠ إلى المصنف وابن أبي حاتم.