ثم قال: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ﴾ يعني أن البرقَ كلَّما أضاء لهم. وجعَل البرقَ لإيمانِهم مَثَلَاً. وإنما أراد بذلك أنهم كلما أضاء لهم الإيمانُ. وإضاءتُه لهم أن يَرَوْا فيه ما يُعْجِبُهم في عاجلِ دُنْياهم مِن النُّصْرةِ على الأعداءِ، وإصابةِ الغَنائم في المَغازِي، وكثرةِ الفُتوحِ وتتابُعِها (٣)، والثُّراءِ في الأموالِ، والسلامةِ في الأَبدانِ والأهلِ والأولادِ - فذلك إضاءتُه لهم؛ لأنهم إنما يُظْهِرون بألسنتِهم ما يُظْهِرونه مِن الإقرارِ ابْتغاءَ ذلك، ومُدافَعةً عن أنفسِهم وأموالِهم وأهليهم وذَرارِيِّهم، فهم كما وصَفَهم جلّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ [الحج: ١١].
ويعني بقولِه: ﴿مَشَوْا فِيهِ﴾: مشَوْا (٤) في ضوءِ البرقِ. وإنما ذلك مَثَلٌ لإقرارِهم على ما وصَفْنا. فمعناه: كلما رأَوْا في الإيمانِ ما يُعْجِبُهم في عاجلِ دنياهم - على ما وصَفْنا - ثبتوا عليه، وأقاموا فيه، كما يَمْشِي السائرُ في ظُلمةِ الليلِ وظُلمةِ الصَّيِّبِ الذي وصَفه جلّ ذكرُه، إذا برَقَت فيها بارقةٌ [فأبصَر طريقَه بها](٥).
(١) الحجن جمع أحجن: وهو الشيْء المعوج. اللسان (ح ج ن). (٢) في ص: "بضوء"، وفي م: "كضوء". (٣) في ص، م: "منافعها". (٤) في الأصل: "يعني مشوا". (٥) في م: "أبصر طريقه فيها". (٦) في الأصل، ر، ت ١: "عليهم".