والآخرُ مِن وَجْهَىِ الرفع، أن تَكونَ ﴿مَاذَا﴾ بمعنى: أىُّ شيءٍ؟ فيُرفَعَ ﴿مَاذَا﴾ وإن كان قولُه: ﴿يُنْفِقُونَ﴾ واقعًا عليه، إذ كان العاملُ فيه وهو ﴿يُنْفِقُونَ﴾ لا يَصْلُحُ تَقديمُه قبلَه، وذلك أن الاستفهامَ لا يجوزُ تَقْديمُ الفعلِ فيه قبلَ حرفِ الاستفهامِ، كما قال الشاعرُ (٢):
ألا تَسْألانِ المَرْءَ ماذا يُحاوِلُ … أنَحْبٌ (٣) فيُقْضَى أم ضلالٌ وباطلُ
وكما قال الآخرُ (٤):
وقالوا تَعَرَّفْها المنَازِلَ مِن مِنًى … وما كُلُّ مَنْ يَغْشَى (٥) مِنًى أنا عارفُ
فرفَع "كل" ولم يَنْصِبْه بـ "عارف"، إذ كان معنى قولِه: وما كلُّ مَن يَغْشَى مِنًى أنا عارفٌ. جحودَ معرفةِ مَن يَغْشَى منًى، فصار في معنى: ما أحدٌ.
وهذه الآيةُ فيما ذُكِر نزَلت قبلَ أن يَفْرِضَ اللهُ [الزكاةَ في](٦) الأموالِ.
ذِكْرُ مَن قال ذلك
حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن
(١) عدس: زجر البغال في الأصل، وعدس أيضا: اسم للبغل، سموه بتسمية الزجر وسببه. التاج (ع د س). (٢) هو لبيد بن ربيعة، والبيت في شرح ديوانه ص ٢٥٤. (٣) النحب: النذر. التاج (ن ح ب). (٤) هو مزاحم العقيلي، شعر مزاحم العقيلي ص ١٠٥. (٥) في شعر مزاحم العقيلي: "وافى". (٦) في م: "زكاة".