فمعنى الآيةِ إذًا: أولئِك يُبْعِدُهُم اللهُ منه ومِن رحمتِه، ويَسْأَلُ ربَّهم اللاعنون أن يَلْعَنَهم؛ لأن لعنةَ بني آدمَ وسائرِ خَلقِ اللهِ ما لَعنوا أن يقولوا:"اللهمَّ الْعَنْه". وإن كانَ معنى اللعنِ هو ما وصَفْنا مِن الإقْصَاءِ والإبْعادِ [وأما مِن اللهِ فالإبعادُ من رحمتِه](٢).
وإنما قُلْنا: إنَّ لعنةَ اللاعنين هي ما وصفنا مِن مَسْألتِهم ربَّهم أن يَلْعَنَهم، وقولِهم: لعنهُ اللهُ. أو: عليه لعنةُ اللهِ. لأن محمدَ بنَ خالدِ بنِ خِداشٍ ويعقوبَ بنَ إبراهيمَ حدَّثاني، قالا: ثنا إسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [قال: اللاعنون](٣): البهائمُ، قال: إذا أَسْنَتَتِ (٤) السنةُ، قالتِ البهائمُ: هذا من أجْلِ عُصاةِ بني آدمَ، لعَن اللهُ عُصاةَ بني آدمَ (٥).
واختَلفَ أهلُ التأويلِ فيمنْ عنَى اللهُ تعالى ذِكرُه باللّاعِنين؛ فقال بعضُهم: عنى بذلك دوابَّ الأرضِ وهوامَّها.
ذِكرُ مَن قال ذلك
حدثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، قال: تَلْعَنُهم
(١) بعده في م: "الطريد و". (٢) سقط من: م. (٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٤) في م: "أسنت". وأسفتت السنة: أجدبت، من السنة وهو القحط: الجدب. ينظر اللسان (ج د ب). (٥) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٢٣٦ - تفسير)، وابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٦٩ (١٤٤٦) من طريق إسماعيل ابن علية به.