وإنما قال جل ثناؤُه: ﴿فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾. وهو يعني بذلك قلبَ محمدٍ ﷺ، وقد أمَر محمدًا ﷺ في أولِ الآيةِ أن يُخْبِرَ اليهودَ بذلك عن نفسِه، ولم يَقُلْ: فإنه نَزَّله على قلبى. ولو قِيلَ: على قلبى. كان صوابًا مِن الكلامِ؛ لأن مِن شأنِ العرب إذا أمَرَت رجلًا أن يَحْكِىَ ما قِيلَ له عن نفسِه، أن تُخْرِجَ فعلَ المأمورِ مرَّةً مضافًا إلى [كنايتِه، كهيئةِ](١) المخبِرِ عن نفسِه، إذ كان هو المُخبرَ عن نفسِه، ومرَّةً مضافًا إلى اسمِه، كهَيْئةِ كنايةِ اسمِ المخاطبِ؛ لأنه به مُخاطبٌ. فتقولُ في نظيرِ ذلك: قُلْ للقومِ: إن الخيرَ عندِى كثيرٌ. فتُخْرِجُ كنايةَ اسمِ [المأمورِ كهيئةِ اسمِ](٢) المخبرِ عن نفسِه؛ لأنه المأمورُ أن يُخبرَ بذلك عن نفسِه. وقلْ للقومِ: إن الخيرَ عندَك كثيرٌ. فتُخْرجُ كنايةَ اسمِه أُخْرى (٣) كهيئةِ كنايةِ اسمِ المُخاطَبِ؛ لأنه وإن كان مأمورًا بقيلِ ذلك، فهو مخاطبٌ مأمورٌ بحكايةِ ما قِيلَ له. وكذلك: لا تقلْ للقومِ: إنى قائمٌ. ولا تَقُلْ لهم: إنك قائمٌ. والياءُ مِن "إنى" اسمُ المأمورِ بقولِ ذلك على ما وَصَفنا. ومِن ذلك قولُ اللهِ ﷿: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ و (سَيُغْلَبُونَ)(٤)[آل عمران: ١٢] بالياءِ والتاءِ [مثلَ الذى وصَفنا سواءً](٥).
وأما جبريلُ، فإن للعربِ فيه لغاتٍ، فأما أهلُ الحجازِ فإنهم يقولون: جِبريلُ وميكالُ. بغيرِ همزٍ، بكَسْرِ الجيمِ والراءِ من جِبريلَ، وبالتخفيفِ. وعلى القراءةِ بذلك عامةُ قَرأةِ أهلِ المدينةِ والبصرةِ (٦).
(١) في م: "كناية نفس". (٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٣) سقط من: م. (٤) سيأتى تخريج هاتين القراءتين في موضعها. (٥) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٦) وهى قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ١٦٦.