مجاهدٌ: قالت يهودُ: يا محمدُ، ما يَنْزِلُ جبريلُ إلَّا بشدَّةٍ وحربٍ وقتالٍ (١)، وإنه لنا لعدوٌّ. فنزَل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾ الآية (٢).
وقال آخَرون: بل كان سَبَبُ قِيلِهم ذلك مِن أجلِ مُناظرةٍ جرَت بين عمرَ بنِ الخطابِ ﵁ وبينهم في أمرِ النَّبِيِّ ﷺ.
ذِكرُ مَن قال ذلك
حَدَّثَنِي محمدُ بنُ المُثَنَّى، قال: ثنا رِبْعِيُّ ابنُ عُلَيَّةَ، عن داودَ بنِ أبي هندٍ، عن الشَّعْبِيِّ، قال: نزَل عمرُ بنُ الخطابِ الرَّوْحَاءَ (٣)، فرأَى رجالًا يَبْتَدِرُون أحجارًا يُصَلُّون إليها، فقال: ما بالُ (٤) هؤلاءِ؟ قالوا: يَزْعُمون أن رسولَ اللهِ ﷺ صلَّى ههنا. قال: فكرِه ذاك، وقال: إنَّما رسولُ اللهِ ﷺ أدركَتْه الصلاةُ بوادٍ، فصلَّي، ثم ارتحل وترَكه. ثم أنشأ يُحَدِّثُهم فقال: كنتُ أشْهَدُ اليهودَ يومَ مِدْراسِهم (٥)، فأعْجَبُ مِن التوراةِ كيف تُصَدِّقُ الفُرقانَ، ومِن الفرقانِ كيف يُصَدِّقُ التوراةَ، فبينما أنا عندَهم ذاتَ يومٍ قالوا: يا بنَ الخطابِ، ما مِن أصحابِك أحدٌ أحبَّ إلينا منك. قلتُ: ولمَ ذلك؟ قالوا: إنك تَغْشانا وتَأْتِينا. قال: قلتُ: إنِّي آتِيكم فأعْجَبُ مِن الفُرْقانِ كيف يُصَدِّقُ التوراةَ، ومِن التوراةِ كيف تُصَدِّقُ الفرقانَ. قال: ومرَّ رسولُ اللهِ ﷺ فقالوا: يا بنَ الخطابِ، ذاك صاحبُكم فالحَقْ به. قال: فقلتُ لهم عند ذلك: نَشَدْتكم باللهِ الذى لا إلهَ إلَّا هو، وما استرعاكم مِن حَقِّه واسْتَودَعَكم مِن كتابِه، أَتَعْلَمون أنه
(١) في م: "قالوا". (٢) أخرجه سنيد في تفسيره -كما في تفسير ابن كثير ١/ ١٨٦ - عن حجاج بن محمد به. (٣) الروحاء: بئر مأثورة ارتوى منها النبي ﷺ في غزوة بدر تبعد عن المدينة نحو ٧٥ كيلو متر. صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار ٥/ ١٧٩. (٤) سقط من: م، ت ١، ت ٢. (٥) المدراس: البيت الذى يدرس فيه اليهود التوراة. ينظر النهاية ٢/ ١١٣.