وأمَّا رفعُ (لا يَعبدون (١)). فبالياءِ (٢) التى فى (يَعبدون (١)). [ولم تُنْصَبْ](٣) بـ "أن" التى كانت تَصْلُحُ أن تَدْخُلَ معَ: (لا يَعبدُونَ (١) إلَّا اللهَ). لأنها إذا صَلحَ دخولُها على فعْلٍ فحُذِفت ولم تَدْخُلْ، كان وجهُ الكلامِ فيه الرفعَ؛ كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي (٤) أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤]. فرُفِع ﴿أَعْبُدُ﴾ -إذ لم تَدْخُلْ فيها "أن"- بالألِفِ الدَّالَّةِ على مَعْنى الاستِقْبالِ، وكما قال الشاعرُ (٥):
فرفَع "أَحْضُرُ" -وإن كان يصلُح دخولُ "أَنْ" فيها، إذ حُذِفت- بالألفِ التى تأتى بمعنى الاستقبالِ.
وإنما صلَح حذْفُ "أن" مِن قولِه: (وإذ أخَذْنا ميثاقَ بنى إسرائيلَ لا يعْبدُونَ). لدلالةِ ما ظهَر مِن الكلامِ عليها، فاكْتُفِى بدلالةِ الظاهرِ عليها منها.
وقد كان بعضُ نحْويِّى أهلِ البصرةِ يقولُ: معنى قولِه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ﴾ حكايةٌ؛ كأنك قلتَ: استحلفْناهم لا تعبدون. أى: قلنا لهم: واللهِ لا تَعبُدون. أو قالوا: واللهِ لا يَعبُدون.
والذى قال مِن ذلك قريبٌ معناه مِن معنى القولِ الذى قلناه فى ذلك.
(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تعبدون". (٢) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فبالتاء". (٣) فى م: "ولا ينصب". (٤) فى الأصل: "تأمروننى". وهى قراءة ابن عامر. ينظر حجة القراءات ص ٦٢٥. (٥) هو طرفة بن العبد، والبيت فى ديوانه ص ٣١.