قد دلَّلْنا فيما مضَى مِن كتابِنا هذا على أن الميثاقَ "مِفْعَالٌ"، مِن التوَثُّقِ باليمينِ ونحوِها مِن الأمورِ التى تُؤكدُ القولَ (١).
فمعنى الكلامِ إذن: واذكُرُوا أيضًا يا معشرَ بنى إسرائيلَ إذ أخذْنا ميثاقَكم لا تعبُدون إلَّا اللهَ.
كما حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، قال: حدَّثنى ابنُ إسحاقَ، قال: حدَّثنى محمدُ بنُ أبى محمدٍ، عن سعيدِ بن جُبيرٍ، أو عكرمةَ، عن ابنِ عباس: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. أى: ميثاقَكم ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ﴾ (٢).
والقَرَأَةُ مختلِفةٌ فى قراءةِ قولِه: ﴿لَا تَعْبُدُونَ﴾؛ فبعضُهم يَقْرَؤُها بالتاءِ، وبعضُهم يَقْرَؤُها بالياءِ (٣)، والمعنى فى ذلك واحدٌ، وإنما جازت القراءةُ بالياءِ والتاءِ، وأن يُقالَ: ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ﴾، و (لا يَعْبُدون). وهم غَيَبٌ (٤)؛ لأن أخْذَ الميثاقِ بمعنى الاستحلافِ. فكما تقولُ: استَحْلَفْتُ أخاكَ لَيَقومَنَّ. فَتُخْبِرُ عنه خَبَرَكَ عن الغائبِ لغَيبتهِ عنك، وتقولُ: اسْتَحْلفتُه لَتَقُومَنَّ. فَتُخْبِرُ عنه خبرَكَ عن المخاطَبِ؛ لأنك قد كنتَ خاطبتَه بذلك، فيكونُ ذلك صحيحًا جائزًا. فكذلك قولُه: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ﴾. و (لا يَعْبُدون). مَن قرَأ ذلك بالتاءِ، فبمعنى (٥) الخطابِ، إذ كان الخطابُ قد كان بذلك، ومَن قرَأ بالياءِ فلأنهم [كانوا غيرَ](٦) مخاطَبين بذلك فى وقتِ الخبرِ عنهم.
(١) ينظر ما تقدم فى ١/ ٤٣٩، ٢/ ٤٦. (٢) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره ١/ ١٥٩ (٨٣٣) من طريق سلمة به. (٣) قرأ بالتاء نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر، وقرأ بالياء ابن كثير وحمزة والكسائى. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ١٦٢. (٤) ضبطها فى الأصل بفتح الياء، اسم جمع، ويجمع أيضا "غُيَّب وغُيَّاب". ينظر التاج (غ ى ب). (٥) فى م: "فمعنى". (٦) فى م: "ما كانوا"، وفى ت ١، ت ٢، ت ٣: "كانوا".