ويعنى بقولِه: ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾. مِن أجْلِ أنهم كانوا يَكْفُرون. يقولُ: فعَلْنا [الذى فعلْنا](١) بهم -مِن إحلالِ الذُّلِّ والمَسْكَنةِ والسَّخَطِ بهم- مِن أجْلِ أنهم كانوا يَكْفُرون بآياتِ اللهِ، ويَقْتُلون النَّبِيين بغيرِ الحقِّ. كما قال أعْشَى بنى ثَعْلبةَ (٢):
بما قد ترَبَّعُ روْضَ القَطَا (٣) … وروْضَ التَّناضِبِ (٤) حتى تَصِيرَا (٥)
يعنى بذلك: جاوَرَتْ (٦) هذه المرأةُ قومًا عُدَاةً وأرضًا بَعيدةً مِن أهلِه، مكانَ (٧) قُرْبِها كان منه ومِن قومِه وبدلًا؛ مِن (٨) تَرُّبعِها رَوْضَ القَطَا ورَوْضَ التَّناضِبِ.
فكذلك قولُه: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾. يقولُ: كان ذلك منا [مِنْ أجلِ كفرِهم](٩) بآياتِنا، وجَزاءً لهم بقتلِهم أنْبياءَنا.
وقد بيَّنَّا فيما مضَى مِن كتابِنا أن معنى الكفرِ تَغْطيةُ الشيءِ وسترُه، وأن آياتِ اللهِ حُججُه وأعلامُه وأدلتُه على توحيدِه وصدقِ رسلِه (١٠).
(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٢) ديوانه ص ٩٣. (٣) روض القطا: من أشهر رياض العرب وأكثرها دورا في أشعارهم، وهى بين السّلى والعرمة شرق مدينة الرياض. معجم البلدان ٢/ ٨٥٦، ومعجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر ص ٢٣٠ وما بعدها. (٤) التناضب: من أضاة بنى غفار فوق سرف، على مرحلة من مكة. تاج العروس (ن ض ب). (٥) حتى تصيرا: حتى تحضر المياه، والمصير: الموضع الذى تصير إليه المياه. اللسان (ص ى ر). (٦) بعده في م: "بهذا المكان". (٧) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بمكان". (٨) "من" هنا تعليلية، يريد: من أجل. (٩) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بكفرهم". (١٠) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٦٢.