اختلف أهل العربية في رافع ﴿مَثَلُ﴾؛ فقال بعض نحويِّى البصرة: إنما هو كأنه قال: ومما نقُصُّ عليكم مثلُ الذين كفروا. ثم أقبل (١) يفسَّرُ، كما قال: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ [الرعد: ٣٥]، وهذا كثيرٌ.
وقال بعض نحويِّي الكوفيين: إنما المثلُ للأعمال، ولكن العرب تقدِّمُ الأسماء؛ لأنها أَعْرَفُ، ثم تأتى بالخبرِ الذي تخبرُ عنه مع صاحبه، ومعنى الكلام: مثلُ أعمال الذين كفروا بربهم كرمادٍ، كما قيل: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠]. ومعنى الكلام: ويوم القيامة ترى وجوة الذين كذبوا على الله مسودةً. قال: ولو خفض "الأعمال"[جاز، كما قال: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ الآية [البقرة: ٢١٧]. وقوله] (٢): ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار﴾ [الرعد: ٣٥]. قال: فـ "تجرى" هو في موضع الخبرِ، كأنه قال: أن تجرى، وأن يكون كذا وكذا. فلو أَدْخل "أن" جاز. قال: ومنه قول الشاعر (٣):
ذَرِينى إن أمرَكِ لن يُطَاعَا … وما أَلْفَيْتِنِي حِلْمِي مُضَاعًا
قال: فالحلمُ منصوبٌ بـ "ألفيتِ" على التكرير. قال: ولو رفعه كان صوابا. قال: وهذا مثَلٌ ضرَبه الله لأعمال الكفارِ، فقال: مثلُ أعمال الذين كفروا يومَ القيامةِ، التي كانوا يعملونها في الدنيا، يزعمون أنهم يريدون الله بها، مثل رمادٍ
(١) في ت ١، ت ٢، ف: "قيل". (٢) سقط من: ت ١، ت ٢، ف. (٣) هو عدي بن زيد العبادي، والبيت في معاني القرآن ٧٣٢، وخزانة الأدب ٥/ ١٩١.